الإصلاح الدستوري في المغرب

شكّلت المراجعة الدستورية التي عرفها المغرب، والتي جاءت تفاعلًا مع ما شهده من حراك شعبي، تكريسًا للمنجزات التي عرفها مسلسل التحوّل الديمقراطي منذ مطلع الاستقلال، فالتغيير الذي عرفته مختلف دول المنطقة، والحراك المغربي المتمثّل في حركة 20 فبراير، كانا بمثابة المحفّز لإطلاق دينامية مجتمعية جديدة في المغرب، تمثّلت في المنسوب المتزايد من الوعي الشعبي بقضايا الشأن العام، والتركيز على مقاومة نزوعات الفساد والاستبداد.
كما كانت هذه الدينامية التي تفاعل من خلالها المغرب مع ما شهده محيطه الإقليمي محط أنظار المراقبين، لكونها حالة استثنائية في المنطقة العربية وشمال إفريقيا. وهي تجربة جديرة بالدراسة وأن توضع خلاصاتها والنقاشات حولها تحت تصرّف القارئ والمتابع والباحث.
هذا المؤلَّف الجماعي الذي أشرف على تحريره الدكتور سعد الدين العثماني، أوّل وزير خارجية في حكومة الإصلاح الدستوري، يُعدّ وثيقة بالغة الأهمية لما تمّ في المغرب، وقد أُلحق بالكتاب نص الدستور الجديد.


يعتبر الخطاب الملكي لتاسع مارس2011 منعطفا تاريخيا بين عهدين، عهد العشرية الأولى من حكم محمد السادس التي كان آخر دستور لعهد الحسن الثاني رحمه الله هو المحدد لطريقة الحكم وبنية الدولة والمؤسسات السياسية، وعهد يطل على دستور محمد السادس الذي بدت ملامحه الكبرى جلية في هذا الخطاب، سواء فيما يخص بنية الدولة وإعادة النظر في تركيبتها ومهام الوحدات اللامركزية، أو فيما يتعلق بالإصلاح السياسي والمؤسساتي من فصل للسلط وتوضيح اختصاصاتها وتقوية الأجهزة المنتخبة وتوضيح الأدوار والمسؤوليات وتنصيص على منظومة إضافية تهم الحقوق والحريات العامة.

وبالنظر لمضامين الخطاب الملكي ومحدداته وتوجيهاته، يمكن اعتباره مسارا مفصليا يمكن أن يطبع حكم محمد السادس للعشرية القادمة ولما بعدها، على اعتبار أن ما جاء فيه تجاوز بشكل كبير مختلف مطالب الإصلاح المتضمنة في المذكرات والبيانات والمواقف المعبر عنها من قبل الفاعلين السياسيين.

إذا كان المغرب يحاول في الوقت الراهن وضع تصور عام للإصلاح السياسي والمؤسساتي، عبر آلية المراجعة الدستورية، فإن الجهوية تعتبر من صميم إصلاح بنية الدولة وطرق اشتغال المؤسسات وعلاقة السلط ببعضها ومراجعة نظام الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي.

ومن شأن هذه المراجعة الشاملة للدستور (وليس المراجعة الجزئية أو التعديل الشكلي) أن تعيد النظر في وظائف الدولة من أساسها، وفي بنية النسق السياسي والمؤسساتي والمالي المغربي، وكذا في آليات وضع وتدبير وتنفيذ السياسات العمومية، وهذا الأمر يعتبر ذا أولوية على اعتبار أهمية دور المؤسسات الدستورية واختصاصاتها.

وعلى هذا الأساس يمكن الفصل منهجيا هنا، بين ثلاث محاور أساسية، محور متعلق بالقواعد الدستورية العامة وبالمؤسسات الدستورية وفصل السلط، ومحور خاص بمشروع الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي والذي يتطلب بابا خاصا في الدستور المغربي، ومحور أخير يهم أساسا الإطار السياسي والقانوني المرافق لعملية الإصلاح.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق