تأليف : سنان أنطون
في مستشفى الأمراض النفسية تولد فكرة يطلق عليها صاحبها فيما بعد:"فهرس". كان ذلك عندما جلب الطبيب المشرف على حالة "ودود" جهاز تسجيل صغير ونصحه أن يسجّل عليه أفكاره. ودود، بائع الكتب المستعملة في شارع المتنبي والذي جعل من غرفة تغصّ بالكتب فيه مسكناً له بعد خروجه من مستشفى الرشاد، سيدوّن ما سجّله، في المستشفى، على الورق ويعنونه بالـ فهرس. فهرس هو ملف لخسائر الحرب التي لا تُذكر في العادة، كالحجر والمدر والطير والشجر والآلات والأماكن، "مو بس الإنسان" على حد قول صاحبه، بل الحيوان والجماد والنبات وكل ما دمّرته الحرب دقيقة بدقيقة. دقائق يدوّنها ودود على هيئة زمن دائري وبأسلوب غير متعارف في كتابة تاريخ الخراب. وبعدما ينتهي من تدوين الدقيقة الأولى يلتقي بنمير، الكاتب والمترجم والأكاديمي المغترب والذي يعود إلى بغداد في زيارة عمل فيكتشف بالصدفة مشروع بائع الكتب ويعرض عليه ترجمته، وعندما يعود إلى محل إقامته في أمريكا يشرعان في تبادل الرسائل.. وتستمر الحكاية.
واقعاً، العمل مذهل ولم أتفاجأ به فصاحب "وحدها شجرة الرمان" قادر على إبهار القارئ بعد أسره، ولكن الملفت هذه المرة أنّ الكاتب قد دسّ بين فصول روايته قصصاً قصيرة وحكايات مكتملة تصلح لوحدها أن تكون مجموعة قصصيّة رائعة. الكاتب في هذا العمل لم يكن روائياً مفناً فحسب بل قاصاً وشاعراً وفيلسوفاً رفيعاً، أرفع له القبعة وأمنحه ألف نجمة ونجمة.
شكراً لك يا سنان لقد أمتعني الـ فهرس وقرأته مرتين متتاليتين. نهاية فهرس ودود كانت حزينة ومبكية لكنها منطقيّة لأن تكون بدايةً لفهرسك أنت. طوبى لك ولنا بهذا العمل المذهل
الزمن ثقب أسود. حفرة تقع فيها الأشياء وتختفي. حتى بداية كل هذا الوجود، بحسب إحدى النظريات، كانت انفجاراً، وليس الوجود إلا شظايا وأشلاء. وها نحن نعيش تبعاته وآثاره. وأنا سأنتشل هذه الدقيقة من الثقب الأسود. لكن لماذا؟ هناك من يكتب ليغير الحاضر، أو المستقبل. أما أنا، فأحلم بتغيير الماضي. وهذا منطقي ومنطق فهرسي.